ينبغي أن يُعلم أن الواجب على كل مؤمن ومؤمنة: التصديق بما أخبر الله به في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور المتعلقة بالآخرة والحساب والجنة والنار، وفيما يتعلق بالموت والقبر وعذابه ونعيمه، وسائر أمور الغيب مما جاء في القرآن الكريم أو صحَّت به السنة المطهرة، فعلينا الإيمان والتسليم والتصديق بذلك؛ لأننا نعلم أن ربنا هو الصادق فيما يقوله سبحانه وفيما يخبر به جل وعلا، لقوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً وقوله سبحانه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً}. ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة، وجب التصديق به، وإن لم نعرف حقيقته. فالواجب علينا أن نصدق بما جاء به من أمر الآخرة، وأمر الجنة والنار، ومن نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، وكون العبد في القبر يُعذّب أو ينعم، وترد إليه روحه، كل هذا حق جاءت به النصوص، فعلى العبد، أن يسلم بذلك، ويصدّق بكل ما علمه من القرآن، أو صحت به السنة، أو أجمع عليه علماء الإسلام. ثم إذا منَّ الله على المؤمن والمؤمنة بمعرفة الحكمة في ذلك والأسرار، فهذا خيرٌ إلى خير، ونورٌ على نور، وعلمٌ إلى علم، فليحمد الله وليشكره على ما أعطاه من العلم والبصيرة في ذلك، التي من الله عليه بها حتى زاد علمه، وزادت طمأنينته. أما ما يتعلق بالسؤال في القبر، وحال الميت: فإن السؤال حق، والميت ترد إليه روحه، وقد صحت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة الميت في قبره غير حياته الدنيوية، بل هي حياة خاصة برزخية، ليست من جنس حياته في الدنيا التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب ونحو ذلك، بل هي حياة خاصة يعقل معها السؤال والجواب، ثم ترجع روحه بعد ذلك إلى عليين، إن كان من أهل الإيمان، وإن كان من أهل النار إلى النار، لكنها تعاد إليه وقت السؤال والجواب، فيسأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، هكذا يجيب المؤمن والمؤمنة، ويقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ (محمد صلى الله عليه وسلم)، فيقول: هو رسول الله، جاءنا بالهدى، فآمنا به وصدقناه، واتبعناه، فيقال له: قد علمنا إن كنت لمؤمناً، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ويقال: هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه، ويرى مقعده من النار، ويقال: هذا مكانك لو كفرت بالله، أما الآن فقد أعاذك الله منه، وصرت إلى الجنة. أما الكافر فإذا سئل عن ربه ودينه ونبيه، فإنه يقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيُضرب بمرزبّة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين: يعني: الجن والإنس، وتسمعها البهائم، فيفتح له باب إلى النار، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، ويكون قبره عليه حفرة من حفر النار، ويفتح له باب إلى النار يأتيه من سمومها وعذابها، ويقال: هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه، ويفتح له باب إلى الجنة فيرى مقعده من الجنة، ويقال له: هذا مكانك لو هداك الله. وبذلك يُعلم أن القبر؛ إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، والعذاب والنعيم للروح والجسد جميعاً في القبر، وهكذا في الآخرة في الجنة أو في النار. أما من مات بالغرق أو بالحرق أو بأكل السباع: فإن روحه يأتيها نصيبها من العذاب والنعيم، ويأتي جسده من ذلك في البر أو البحر، أو في بطون السباع ما شاء الله من ذلك، لكن معظم النعيم والعذاب على الروح التي تبقى، إما مُنعّمة، وإما مُعذّبة. فالمؤمن تذهب روحه إلى الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة يأكل من ثمارها، والكافر تذهب روحه إلى النار". فالواجب على كل مسلم ومسلمة الاطمئنان إلى ما أخبر به الله عز وجل، وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يصدّق بذلك على الوجه الذي أراده الله عز وجل، وإن خفي على العبد بعض المعنى، فلله الحكمة البالغة سبحانه.